وجّه راعي ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم رسالة الصوم الى الكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات والمؤمنين والمؤمنات والأصدقاء، وجاء فيها:
” المطران ابراهيم مخايل ابراهيم
بنعمةِ اللَّـهِ
راعي أًبرشيَّة الفُرزُل وزحلةَ والبقاع
إِلى الكَهنَةِ والشمامِسةِ والرُهبَانِ والراهِبَاتِ والمؤمنينَ والمؤمناتِ والأصدقاءِ
سلامُ اللَّـهِ مَعكُمْ!
ٱلصَّوْمُ، أيُها الأحِبَاءُ، هُوَ مَسِيرَةٌ رُوحِيَّةٌ تَهْدِفُ إِلَى تَجْدِيدِ ٱلْإِنْسَانِ مِنَ ٱلدَّاخِلِ وَٱسْتِعْدَادِهِ لِلْقِيَامَةِ مَعَ ٱلْمَسِيحِ. هُوَ لَيْسَ مُجَرَّدَ مُمَارَسَةٍ شَكْلِيَّةٍ، بَلْ هُوَ تَحَوُّلٌ عَمِيقٌ، عُبُورٌ مِنَ ٱلظَّلَامِ إِلَى ٱلنُّورِ، وَمِنَ ٱلْعُبُودِيَّةِ إِلَى ٱلْحُرِّيَّةِ، وَمِنَ ٱلْعَادَاتِ ٱلَّتِي تُقَيِّدُ ٱلرُّوحَ إِلَى نَمَطِ حَيَاةٍ جَدِيدٍ يَقُودُ إِلَى ٱلْخَلَاصِ وَٱلشَّرِكَةِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ مَعَ ٱللَّهِ. هُوَ خَارِطَةُ طَرِيقٍ تُعَلِّمُ ٱلْإِنْسَانَ كَيْفَ يَجُوعُ إِلَى ٱللَّهِ وَيُحَرِّرُ نَفْسَهُ مِنْ قُيُودِ ٱلْخَطِيئَةِ وَيَعِيشُ ٱلْقِيَامَةَ كَوَاقِعٍ يَوْمِيٍّ.
ٱلصَّوْمُ هُوَ مِفْتَاحُ ٱلْحُرِّيَّةِ ٱلْحَقِيقِيَّةِ، حَيْثُ يَكْشِفُ ٱلْإِنْسَانُ أَعْمَاقَهُ وَيُدْرِكُ مَوَاطِنَ ٱلضَّعْفِ فِيهِ وَيَسْتَعِدُّ لِلتَّجْدِيدِ وَٱلنُّضْجِ ٱلرُّوحِيِّ وَٱلْإِلْتِزَامِ ٱلْحَقِيقِيِّ فِي ٱلْإِيمَانِ. ٱلصَّوْمُ يَدْعُو ٱلْإِنْسَانَ إِلَى ٱلْخُرُوجِ مِنَ ٱلرُّوتِينِ ٱلرُّوحِيِّ وَٱلْمُمَارَسَاتِ ٱلشَّكْلِيَّةِ لِيَسْتَعِيدَ ٱلشَّغَفَ وَٱلْحَيَوِيَّةَ فِي صِلَتِهِ بِٱللَّهِ. هُوَ فُرْصَةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ لِيُدْرِكَ مَكْمَنَ ٱلْحَقِيقَةِ فِي حَيَاتِهِ وَيُكْشَفَ لَهُ مَا يَحْجِبُهُ عَنِ ٱلْنُّورِ ٱلْإِلٰهِيِّ. ٱلصَّوْمُ يَعْنِي ٱلْإِصْغَاءَ إِلَى ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ وَإِعَادَةَ تَوْجِيهِ ٱلْحَيَاةِ نَحْوَ مَا يَسْتَحِقُّ ٱلْإِلْتِزَامَ وَٱلتَّكْرِيسَ. هُوَ زَمَنُ ٱلْمُسَامَحَةِ وَٱلْمُصَالَحَةِ وَٱلْعَطَاءِ، وَهُوَ زَمَنُ ٱلْكَشْفِ عَنِ ٱلْأَعْمَاقِ ٱلْمَخْفِيَّةِ فِي ٱلْقَلْبِ لِكَيْ يَسْتَطِيعَ ٱلْإِنْسَانُ أَنْ يُقَدِّمَ نَفْسَهُ قُرْبَانًا نَقِيًّا أَمَامَ ٱللَّهِ. ٱلصَّوْمُ هُوَ دُخُولٌ فِي رِحْلَةِ تَحَوُّلٍ، حَيْثُ تُطَهَّرُ ٱلذَّاتُ وَيُزَالُ كُلُّ مَا يُعِيقُ ٱلنَّمُوَّ ٱلرُّوحِيَّ وَيُحْدِثُ ٱلْإِنْقِسَامَ بَيْنَ ٱلْإِنْسَانِ وَخَالِقِهِ. هُوَ ٱلْوَقْتُ ٱلَّذِي فِيهِ يُدْرِكُ ٱلْمُؤْمِنُ أَنَّ ٱلْقَبْرَ لَا يَكُونُ نِهَايَةً، بَلْ نُقْطَةَ ٱلْبِدَايَةِ لِحَيَاةٍ جَدِيدَةٍ. لِذٰلِكَ فَإِنَّ ٱلصَّوْمَ يَدْعُو كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا لِيَسْمَحَ لِنُورِ ٱلْمَسِيحِ أَنْ يَدْخُلَ إِلَى مَوَاطِنِ ٱلظُّلْمَةِ فِي نَفْسِهِ وَيُحَوِّلَهَا إِلَى نُورٍ وَقُوَّةٍ وَحَيَاةٍ. فَهَلْ نَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِلسَّيْرِ فِي هٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ وَٱلْقِيَامَةِ مَعَ ٱلْمَسِيحِ؟
ٱلصَّوْمُ لَيْسَ مُجَرَّدَ مُمَارَسَةٍ ظَاهِرِيَّةٍ، بَلْ هُوَ رِحْلَةٌ رُوحِيَّةٌ نَحْوَ ٱلْعُمْقِ، حَيْثُ نَلْتَقِي بِٱللَّهِ فِي أَعْمَقِ أَعْمَاقِ قُلُوبِنَا. “« وَلكِنِ الآنَ، يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ.” (يوء 2: 12). فَٱلصَّوْمُ دَعْوَةٌ لِإِعَادَةِ تَرْتِيبِ أَوْلَوِيَّاتِنَا، لِلْبَحْثِ عَنِ ٱللَّهِ لَا فِي ٱلْمَظَاهِرِ ٱلْخَارِجِيَّةِ بَلْ فِي جَوْهَرِ ٱلْحَيَاةِ. فِي عَالَمٍ مَلِيءٍ بِٱلضَّوْضَاءِ، نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى ٱلصَّمْتِ كَيْ نَسْمَعَ صَوْتَ ٱللَّهِ. ٱلْمَسِيحُ نَفْسُهُ كَانَ يَنْسَحِبُ لِلصَّلَاةِ فِي ٱلْخَلْوَةِ، فَكَيْفَ بِنَا نَحْنُ؟ يَقُولُ ٱلْقِدِّيسُ يُوحَنَّا ٱلصَّلِيب: “ٱللَّهُ يَتَحَدَّثُ فِي ٱلصَّمْتِ”. فَلْنُخَصِّصْ وَقْتًا يَوْمِيًّا لِلصَّلَاةِ، لِلصَّمْتِ، لِلتَّأَمُّلِ فِي كَلَامِ ٱللَّهِ، لِنَمْنَحْ قُلُوبَنَا مَسَاحَةً لِلنِّعْمَةِ ٱلْإِلٰهِيَّةِ، وَلْنُدَرِّبْ أَنْفُسَنَا عَلَى ٱلْإِصْغَاءِ لِكَلِمَةِ ٱللَّهِ وَتَطْبِيقِهَا فِي حَيَاتِنَا ٱلْيَوْمِيَّةِ.
إنَّ ٱلصَّوْمَ فُرْصَةٌ لِنَسْتَكْشِفَ ذَوَاتِنَا وَلِنُحَقِّقَ تَغْيِيرًا حَقِيقِيًّا فِي أَنْفُسِنَا، فَهُوَ زَمَنُ ٱلتَّجْدِيدِ وَٱلرُّجُوعِ إِلَى ٱللَّهِ، زَمَنٌ نُحَاسِبُ فِيهِ نُفُوسَنَا وَنُطَهِّرُ قُلُوبَنَا مِنْ كُلِّ شَوَائِبِ ٱلْخَطَايَا وَٱلضَّعْفِ. لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا “قُبُورٌ” دَاخِلِيَّةٌ، مَوَاطِنُ ضَعْفٍ وَأَلَمٍ وَعَادَاتٌ تُثَقِّلُ ٱلرُّوحَ وَتُبْعِدُنَا عَنِ ٱللَّهِ وَتَجْعَلُنَا أَسْرَى لِلْمَادِّيَّاتِ وَٱلْأَهْوَاءِ ٱلشَّخْصِيَّةِ. إِنَّ ٱلصَّوْمَ يَدْعُونَا إِلَى مُوَاجَهَةِ هٰذِهِ ٱلْقُيُودِ وَٱلْخُرُوجِ مِنْهَا بِقُوَّةِ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، لِنُزِيلَ ٱلْحِجَارَةَ ٱلَّتِي تُغْلِقُ مَدَاخِلَ قُلُوبِنَا وَنَفْتَحَهَا لِنُورِ ٱلْمَسِيحِ كَيْ يُضِيءَ فِيهَا وَيُحْيِيَهَا مِنْ جَدِيدٍ. فَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ نَشْعُرُ أَنَّنَا مُكَبَّلُونَ بِأَثْقَالِ ٱلْحَيَاةِ وَأَنَّ قُلُوبَنَا مُغْلَقَةٌ بِأَحْجَارِ ٱلضِّيْقِ وَٱلْخَوْفِ وَٱلشَّكِّ؟ وَلٰكِنْ إِذَا سَمَحْنَا لِلْمَسِيحِ أَنْ يَلْمسَ نُفُوسَنَا، فَإِنَّهُ يُقِيمُنَا مَعَهُ إِلَى حَيَاةٍ جَدِيدَةٍ، حَيَاةٍ تَسُودُهَا ٱلْمَحَبَّةُ وَٱلسَّلَامُ وَٱلرَّجَاءُ. فَهَلْ نَكُونُ مُسْتَعِدِّينَ لِهٰذِهِ ٱلرِّحْلَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَلِنَدَعَ ٱلْمَسِيحَ يَقُودُنَا مِنْ قُبُورِ ٱلضَّعْفِ إِلَى نُورِ ٱلْقِيَامَةِ؟
هٰذَا ٱلصَّوْمُ هُوَ فُرْصَةٌ مُقَدَّسَةٌ يَمْنَحُهَا لَنَا ٱللَّهُ لِنَقْتَرِبَ مِنْهُ أَكْثَرَ، لِنُحَدِّدَ مَوَاقِفَنَا وَنُجَدِّدَ ٱلتِزَامَنَا بِطَرِيقِ ٱلْحَقِّ وَٱلْبِرِّ، لِنَخْتَبِرَ ٱلتَّغْيِيرَ ٱلْحَقِيقِيَّ فِي أَعْمَاقِنَا، فَلَا يَكُونُ صَوْمُنَا صَوْمًا شَكْلِيًّا أَوْ مُمَارَسَةً جَسَدِيَّةً فَحَسْبُ، بَلْ يَكُونُ صَوْمًا يُطَهِّرُ نُفُوسَنَا وَيُحَوِّلُ قُلُوبَنَا إِلَى هَيْكَلٍ حَيٍّ لِلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ. إِنَّهُ زَمَنُ ٱلتَّجْدِيدِ وَٱلتَّكْرِيسِ، زَمَنُ ٱلتَّعَامُلِ بِمَحَبَّةٍ وَتَوَاضُعٍ، زَمَنُ ٱلرُّجُوعِ إِلَى ٱللَّهِ بِكُلِّ ٱلْقَلْبِ وَٱلنَّفْسِ وَٱلْفِكْرِ. فَهَلْ نَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِنَخْرُجَ مِنْ ظَلَامِ ٱلْخَطَايَا وَأَثْقَالِ ٱلْحَيَاةِ إِلَى نُورِ ٱلْقِيَامَةِ وَحُرِّيَّةِ أَبْنَاءِ ٱللَّهِ؟ هَلْ نَسْتَطِيعُ أَنْ نُزِيلَ ٱلْحَوَاجِزَ ٱلَّتِي تَفْصِلُنَا عَنْهُ، وَأَنْ نَتُوبَ تَوْبَةً صَادِقَةً تُبَدِّلُ كيَانَنَا وَتُعِيدُنَا إِلَى دَرْبِ ٱلْحَقِّ؟ لِنَجْعَلْ مِنْ هٰذَا ٱلصَّوْمِ خَارِطَةَ طَرِيقٍ لِحَيَاةٍ مَسِيحِيَّةٍ أَعْمَقَ، لِنَحْيَا فِيهَا ٱلْإِيمَانَ كَوَاقِعٍ مُعَاشٍ، فَيَكُونُ صَوْمُنَا قُرْبَانًا حَيًّا يَرْتَفِعُ أَمَامَ ٱللَّهِ، وَيُعِيدُنَا إِلَى فَرَحِ ٱلْقِيَامَةِ وَنِعْمَتِهَا.
أَيُّهَا ٱلْإِخْوَةُ وَٱلْأَخَوَاتُ فِي ٱلْإِيمَانِ،
فِي هَذَا ٱلزَّمَنِ ٱلْمُقَدَّسِ، حَيْثُ نَدْخُلُ مَعَ ٱلْمَسِيحِ دَرْبَ ٱلصَّوْمِ وَٱلصَّلَاةِ وَٱلتَّوْبَةِ، نَدْعُوكُمْ جَمِيعًا، أَفْرَادًا وَعَائِلَاتٍ، رُهْبَانًا وَرَاهِبَاتٍ، كَهَنَةً وَعَلْمَانِيِّينَ، إِلَى ٱلِٱلْتِفَافِ حَوْلَ مَذَابِحِ ٱلرَّبِّ وَرَفْعِ ٱلْقُلُوبِ بِصِدْقٍ وَتَضَرُّعٍ مِنْ أَجْلِ لُبْنَانَ، هَذَا ٱلْوَطَنِ ٱلَّذِي يَحْمِلُهُ ٱللَّهُ فِي قَلْبِهِ رَغْمَ آلَامِهِ.
إِنَّ أَرْضَنَا تُعَانِي، وَشَعْبَنَا يَرْزَحُ تَحْتَ أَثْقَالٍ كَثِيرَةٍ، وَلَكِنَّ إِيمَانَنَا بِٱللَّهِ يَبْقَى رَجَاءَنَا وَثَبَاتَنَا. فَلْنَجْتَمِعْ بِٱلصَّلَاةِ، طَالِبِينَ شَفَاعَةَ ٱلْعَذْرَاءِ مَرْيَمَ، سَيِّدَة زَحْلَة والبِقَاع وسَيدَة النَجَاة، وَقِدِّيسِينَا ٱلْأَبْرَارِ، كَيْ يَحِلَّ ٱلسَّلَامُ فِي وَطَنِنَا، وَيَمْنَحَ ٱللَّهُ أبنَاءَهُ ٱلْحِكْمَةَ، وَفُقَرَاءَهُ ٱلْعَزَاءَ، وَمُتْعَبِيهِ ٱلْقُوَّةَ، وَمَظْلُومِيهِ ٱلْعَدَالَةَ.
لِيَكُنْ صَوْمُنَا صَلَاةً، وَصَلَاتُنَا رَجَاءً، وَرَجَاؤُنَا فِعْلَ مَحَبَّةٍ، فَنَكُونَ نُورًا يَشِعُّ وَسَطَ ٱلظُّلْمَةِ. نَلْتَقِي مَعًا فِي ٱلْكَنَائِسِ، وَٱلْأَدْيِرَةِ، وَٱلْبُيُوتِ، لِنُوَحِّدَ صَلَاتَنَا عَلَى نِيَّةِ لُبْنَانَ، طَالِبِينَ مِنَ ٱلرَّبِّ أَنْ يُبَارِكَهُ وَيَحْفَظَهُ، وَيُعِيدَ إِلَيْهِ مَجْدَهُ وَرِسَالَتَهُ. “إِنْ لَمْ يَبْنِ ٱلرَّبُّ ٱلْبَيْتَ، فَبَاطِلًا يَتْعَبُ ٱلْبَنَّاؤُونَ” (مَزْمُورُ 127: 1). فَلْنَبْتَهِلْ إِلَيْهِ بِإِيمَانٍ، لِأَنَّهُ وَحْدَهُ قَادِرٌ أَنْ يَصْنَعَ لَنَا قِيَامَةً بَعْدَ ٱلصَّلِيبِ. لُبْنَانُ يَسْتَحِقُّ صَلَاتَنَا… فَلْيَكُنِ ٱلصَّوْمُ صَلَاتَنَا، وَلْيَكُنْ إِيمَانُنَا خَلَاصَهُ.
لِيُبارِكْكُم اللهُ، وَيُعِد عَلَينَا جَميعاً هذَا الزمَنَ الْـمُقدَّسَ، وَنَحْنُ في اتِّحادٍ ونجاحٍ وصِحَّةٍ وأَمانٍ.
مُحِبُّكُم بِالمسيحِ،
المُطْران ابراهيم مخايل ابراهيم.