في عالم تُرسم فيه المواقف على أساس المصالح، وتتداخل فيه المفاهيم السياسية بالمبادئ الوطنية، يظهر التحدي الأكبر: التفريق بين من يناضل من أجل الحرية وبين من يفرط في تراب الوطن. هذا الالتباس ليس وليد اللحظة، بل نتاج عقود من التضليل السياسي والخلط المتعمد بين النظام والوطن.
لقد كانت كلمات الزعيم السوري عن دخول الجيش الإسرائيلي إلى الأراضي السورية بتنسيق مسبق بمثابة جرس إنذار صادم للكثيرين. كلمات كهذه لا تعكس فقط التناقضات في السياسة، بل تثير تساؤلات عميقة حول مفهوم السيادة الوطنية والخيارات المتاحة للشعوب المغلوبة على أمرها.
النظام والوطن: اختلافات جوهرية
النظام السياسي هو أداة الحكم التي قد تتغير أو تتبدل، أما الوطن فهو الثابت الذي لا يمكن استبداله. ومع ذلك، نجح كثير من الأنظمة المستبدة في خلط الأوراق، حيث يصبح الوقوف ضد النظام في نظر البعض هجومًا على الوطن نفسه. في الحالة السورية، أُثقل كاهل البلاد بسنوات من القمع والانتهاكات تحت حكم بشار الأسد. ولكن هل يكون السبيل لتغيير هذا الواقع هو تدمير البلاد نفسها؟
سوريا بين التاريخ والحاضر
سوريا، التي تمثل مهد الحضارات الإنسانية وملتقى الثقافات، تواجه اليوم تحديات وجودية غير مسبوقة. الفوضى الناجمة عن النزاع المسلح فتحت المجال لظهور جماعات متطرفة كالإخوان وجبهة النصرة، التي استغلت الفراغ السياسي لتحقيق أجنداتها الخاصة. في ظل هذا المشهد، يبدو الوطن وكأنه يدفع الثمن الأغلى من أجل صراع لا يخدم سوى القلة.
إسقاط النظام: بين النضال والخيانة
التغيير السياسي هدف مشروع لأي شعب يرزح تحت وطأة القمع. لكن حين يصبح السعي لإسقاط النظام ذريعة لتقسيم البلاد أو الاستقواء بالخارج، يتحول هذا النضال إلى خيانة. التاريخ يعلمنا أن أي تغيير حقيقي يجب أن ينبع من الداخل، بوعي وطني جامع وإرادة تسعى للحفاظ على كيان الوطن ومصالح شعبه.
بناء المستقبل: التحدي الأكبر
لا يمكن للوطن أن يتعافى بمجرد زوال النظام، بل يحتاج إلى مشروع وطني يجمع الجميع تحت مظلة واحدة. مشروع يقوم على أساس العدالة والحرية، ويحترم التنوع الثقافي والديني، ويضع مصالح الشعب فوق كل اعتبار.
ختامًا، تبقى الأوطان ملكًا لشعوبها، لا لأنظمة حاكمة ولا لقوى خارجية. الوطن هو الحاضنة التي تجمع أبناءها في السراء والضراء. ومن يسعى إلى التغيير عليه أن يدرك أن البناء أصعب بكثير من الهدم، وأن الحفاظ على كيان الوطن واجب مقدس لا يعلوه أي هدف آخر.